مقدمة
يعتبر الضمان الاجتماعي من أبرز أدوات الدولة الحديثة في تحقيق العدالة الإجتماعية، وحماية الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، إذ يقوم على مبدأ التكافل، والتضامن بين الأفراد، لضمان تطبيق حد أدنى من العيش الكريم، وقد أصبح هذا النظام ركناً أساسياً في البنية القانونية والإقتصادية للدول، باعتباره وسيلة لحماية الأشخاص وأسرهم من المخاطر الاجتماعية التي قد تعترض مسار حياتهم، مثل الشيخوخة، العجز، المرض، إصابات العمل، والوفاه.
وفي هذا السياق فقد حرص الدستور المصري الصادر عام 2014 والمعدل في 2019 باعتباره المرجعية العليا للنظام القانوني والسياسي في الدولة، وأولى اهتمامًا خاصًا بالحقوق الاجتماعية للمواطنين، إيمانًا بمبدأ العدالة الاجتماعية، والتكافل، والتضامن بين أفراد المجتمع، فقد نص الدستور صراحة على أن الضمان الاجتماعي حق أصيل لكل مواطن، وألزم الدولة أن توفره، بما يضمن حياة كريمة للفئات غير القادرة، سواء في حالات الشيخوخة، أو العجز عن العمل، أو البطالة، أو فقدان العائل، كما أرسى الدستور في مواده علي التزام الدولة بتوفير نظم التأمين الاجتماعي، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار المجتمعي وتحقيق التنمية المستدامة، ومن ثم فإن النص الدستوري على الضمان الاجتماعي يعكس توجه الدولة نحو صون كرامة الإنسان، وحمايته من مخاطر الحياة، وضمان عدم تهميش أي فئة من فئات المجتمع، ويظهر ذلك جلياً حينما نصت المادة (8) من الدستور المصري علي " يقوم المجتمع علي التضامن الإجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة، وتوفير سبل التكافل الإجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، علي النحو الذي ينظمه القانون"، كما نصت المادة (17) علي " تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الإجتماعي، ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الإجتماعي الحق في الضمان الإجتماعي، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادراً علي إعالة نفسه وأسرته، وفي حالات العجز عن العمل، والشيخوخة، والبطالة، وتعمل الدولة علي توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين، والصياديين، والعمالة غير المنتظمة، وفقاً للقانون "، كما نصت المادة (27) علي " يهدف النظام الإقتصادي إلي تحقيق الرخاء في البلاد من خلال التنمية المستدامة، والعدالة الإجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيق للإقتصاد القومي، ورفع مستوي المعيشة، وزيادة فرص العمل، وتقليل معدلات البطالة، والقضاء علي الفقر، ويلتزم النظام الإقتصادي بمعايير الشفافية والحوكمة، ويلتزم النظام الإقتصادي اجتماعياً بضمان تكافؤ الفرص، والتوزيع العادل لعوائد التنمية، وتقليل الفوارق بين الدخول، والإلتزام بحد أدني للأجور، والمعاشات يضمن الحياة الكريمة" .
من هنا؛ فقانون الضمان الاجتماعي ليس مجرد نصوص تشريعية جامدة، بل هو تعبير عن فلسفة اجتماعية واقتصادية متكاملة تستند إلى مبادئ العدالة، وتوزيع الدخل بشكل أكثر إنصافاً، فالمشرع حينما سن هذا القانون؛ قصد تحقيق التوازن بين مصالح أصحاب العمل والعاملين من جهة، وبين دور الدولة في حماية المصلحة العامة من جهة أخرى.
وتتجلي أهمية هذا القانون في كونه يجمع بين الطابعين الاجتماعي، والاقتصادي؛ فهو من ناحية يوفر الحماية للأفراد ضد المخاطر التي لا يمكنهم مواجهتها بمفردهم، ومن ناحية أخرى يساهم في استقرار سوق العمل، وزيادة الإنتاجية، بإعتبار أن العامل الذي يتوافر لديه الطمائنينة على مستقبله الصحي، والاقتصادي يكون أكثر قدرة على العطاء.
وفي إطار الجهود التشريعية التي تبذلها الدولة المصرية لتعزيز الحماية الاجتماعية، فقد صدر القانون رقم 12 لسنة 2025 بإصدار قانون الضمان الاجتماعي، وذلك في 3 أبريل 2025، بعد موافقة مجلس النواب، وتصديق رئيس الجمهورية على القانون، ويُعمل به بعد ثلاثة أشهر من تاريخ صدوره، ويهدف هذا القانون إلى إعادة ترتيب منظومة الضمان الاجتماعي من خلال إعادة هيكلة برامج الحماية القائمة ضمن منظومة قانونية موحّدة. وإدماج برامج الدعم النقدي في إطار مؤسسي موحد، يضمن استهدافاً أفضل، وإستدامة مالية، وشفافية إدارية، ويهدف نحو حماية المواطنين غير المشمولين بأنظمة التأمين الاجتماعي، والواقعين تحت خط الفقر، وتأمين حد أدنى للمعيشة، وربط الدعم بآليات استحقاق واضحة، لضمان وصول الدعم للمستحقين، وترشيده، وتحويل آليات الدعم من برامج متناثرة إلى صندوق مؤسسي (صندوق تكافل وكرامة)، له موارد، وحوكمة إدارية واضحة .
وتتمثل أبرز ملامح قانون الضمان الاجتماعي رقم 12 لسنة 2025 ، في توسيع شريحة المستفيدين بحيث يُطبق القانون على كل مصري لا يتمتع بتأمين اجتماعي، وغير قادر على إعالة نفسه وأسرته، وكذلك في حالات العجز عن العمل أو الشيخوخة، وشمول القانون لرعايا الدول الأجنبية المقيمين في مصر، بشرط المعاملة بالمثل، مع إمكانية استثناء ذلك الشرط بقرار من رئيس جمهورية مصر العربية لبعض الدول، وإنشاء صندوق تكافل وكرامة ليحل موضع الصندوق المركزي للضمان الاجتماعي المنصوص عليه بقانون الضمان الإجتماعي رقم 137 لسنة 2010 الملغي، بحيث تنتقل إليه كل الأصول والحقوق والالتزامات المتعلقة بالصندوق القديم، ونوه القانون في نصوصه عن صدور اللائحة التنفيذية له خلال ستة أشهر من تاريخ بدء العمل بالقانون، ويستمر العمل باللوائح والقرارات الموجودة، طالما لا تتعارض مع القانون الجديد لحين صدور اللائحة التنفيذية.
من هنا، فإن دراسة قانون الضمان الاجتماعي تمثل مدخلاً لفهم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الفرد ومحيطه الإقتصادي، كما أنها تسلّط الضوء على كيفية تنظيم التضامن داخل المجتمع في إطار قانوني يوازن بين الحقوق والواجبات، ويضمن استمرارية النظام الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء.
موضوعات القانون
أولاً : نطاق التطبيق
يسري القانون على كل مصري، لا يتمتع بنظام تأمين إجتماعي، وغير قادر على إعالة نفسه، أو أسرته، وفي حالات العجز عن العمل، والشيخوخة، كما يسري على رعايا الدول الأخرى المقيمين فى جمهورية مصر العربية، بشرط معاملة المصريين بالمثل، فيما يتعلق بالدعم النقدى والعينى فى تلك الدول، ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية الاستثناء من شرط المعاملة بالمثل للإعتبارات التي تقدرها الدولة .
ألغي قانون الضمان الاجتماعي بعض الأحكام المتضاربة له مثل المادة رقم 49 من قانون الطفل، والتي تنص على:
يكون للأطفال الآتي بيانهم، الحق في الحصول على معاش شهري من الوزارة المختصة بالضمان الاجتماعي، لا يقل عن ستين جنيهاً، وفقاً للشروط و القواعد المبينة في قانون الضمان الاجتماعي وهم:
الأطفال الأيتام، أو مجهولو الأب أو الأبوين .
أطفال الأم المعيلة، و أطفال الأم المطلقة، إذا تزوجت أو توفيت .
أطفال المحتجز قانوناً، أو المسجون، أو المسجونة المعيلة، و المحبوس، أو المحبوسة المعيلة، لمدة لا تقل عن شهر.
ويستمر حصول المستفدين السابقين على كافة المزايا إلى حين توفيق أوضاعهم وذلك خلال سنة من تاريخ العمل بها ، ويجوز مد هذه المدة لمدة واحدة مماثلة بقرار يصدر من مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المعنى بشئون التضامن الاجتماعي .
يُعمل بالقانون بعد (3) أشهر من نشره بالجريدة الرسمية، والذي نشر بتاريخ 3 إبريل 2025 .
ثانياً : أبرز التعريفات الجديدة
الفقر: حالة تتسم بالحرمان الشديد من الإحتياجات الإنسانية الأساسية ، كالمأكل، والمشرب، والمسكن، والملبس، والخدمات الصحية والتعليمية، والمواصلات، والمرافق الأساسية، والبيانات، والمعلومات .
خط الفقر القومي: القياس المعياري الذي تحدده الدولة لدخل الفرد أو الأسرة، الذي يفي بالإحتياجات الأساسية للمأكل، والمشرب، والمسكن، والملبس، والخدمات الصحية، والتعليمية، والمواصلات، والمرافق الأساسية، والبيانات والمعلومات.
المعادلة الإختبارية: معادلة إحصائية يتم استخدامها لرصد مستوى فقر الأسرة والفرد، وذلك من خلال احتساب مؤشرات الاستهداف التي تشمل حجم الأسرة، وسماتها الديموجرافية والبيئية، وحالة السكن، وتوفر الخدمات الأساسية، والمرافق ودرجة التعليم ، والحالة الصحية، وممتلكات الأسرة، وحالة العمل، والعائد المادى للأسرة وموارد الدعم المادية أو العينية.
خريطة الفقر: وثيقة رسمية تتضمن وصفاً تفصيلياً للتوزيع المكاني للفقر، والدخل للفرد والأسرة، بهدف تقييم مؤشرات الفقر لمناطق جغرافية معينة، سواء على مستوى محافظة، أو مركز ،أو مدينة، أو حى، أو قرية.
الدعم النقدي المشروط ( تكافل): مساعدات نقدية مشروطة للأسرة الفقيرة التي ليس لديها أولاد، أو التي لديها أولاد لا يجاوز سنهم ٢٦ سنة، أو حتى انتهاء دراستهم الجامعية، على أن تصرف هذه المساعدات بحد أقصى لإثنين من الأولاد فى الأسرة الواحدة ، أيهما أصغر .
الدعم النقدي غير المشروط (كرامة): مساعدات نقدية تصرف للأفراد الفقراء.
الأسرة المعالة: الأسرة التي تعولها امرأة مُعيلة على أن تكون هي الحاضنة أو الوصى على الأولاد .
المسن: كل من بلغ من السن ٦٥ سنة ميلادية فأكثر
الشخص ذوي الإعاقة: كل من تثبت إعاقته بموجب بطاقة الخدمات المتكاملة، وإثبات الإعاقة، وفقاً لأحكام قانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة الصادر بالقانون رقم ۱۰ لسنة ۲۰۱٨.
الصندوق : صندوق تكافل وكرامة .
ثالثاً : نظم الدعم
أ/ الدعم النقدي المشروط ( تكافل )
المستحقين وهم :
( الأسرة المعالة، أسرة المجند، أسرة نزيل مراكز الإصلاح، الأسرة مهجورة العائل، والأسر الفقيرة الأخرى )
شروط الصرف:
( أن تلتزم الأسرة، بحسب الأحوال، بمتابعة برامج الصحة الأولية للأمهات والحوامل والمرضعات والأطفال أقل من ست سنوات، بما يشمل متابعة نمو الأطفال -- أن يكون الأولاد فى الفئة العمرية (٦ - ١٨ سنة) مقيدين بالمدارس، بنسبة حضور لا تقل عن ٨٠% فى كل فصل دراسى ، والأولاد فى الفئة العمرية (١٨ - ٢٦ سنة) مقيدين بمراحل التعليم فوق المتوسط أو التعليم الجامعى، بشرط انتظام النجاح في كل عام دراسى )
ألية التعامل في حالة عدم الإلتزام:
يترتب سلسلة جزاءات نسبية تتمثل في - خصم 30% من الدعم للمرة الأولى، مع إمكانية الرد عند الالتزام لاحقًا، 60% من الدعم للمرة الثانية، مع إمكانية رد 30% لاحقًا عند الإلتزام، 90% للمرة الثالثة، مع رد 30% لاحقًا في حالة الإلتزام، ويتم وقف الدعم النقدي نهائياً عن الأسرة في المرة الرابعة، مع إمكانية إعادة دراسة الحالة بعد مرور 6 أشهر من الإيقاف بطلب من الأسرة؛ كما أن للمستفيد حق التظلم إلى المديرية المختصة من قرار وقف الدعم، خلال ستين يوماً من تاريخ إعلانها به، بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول.
ب/ الدعم النقدي غير المشروط ( كرامة )
المستحقين وهم :
( الأشخاص ذوي الإعاقة - المريض بمرض مزمن شديد - المسن المقيم بمفرده أو مع أسرته أو فى مؤسسات الرعاية، المرأة غير المعيلة - اليتيم - أولاد الرعاية اللاحقة – قدامي الفنانين والرياضيين والأدباء والتشكيليين الذين ينطبق عليهم شروط الاستحقاق - الأنثى غير المتزوجة )
ويُعد الاستحقاق لهذه الفئات استحقاقًا فرديًا يئول إلى صاحبه، كما أن الدخل المعول عليه هو دخل المُستحِق، وليس دخل الأسرة، ولا يجوز للفرد المستفيد الجمع بين أكثر من دعم نقدى غير مشروط .
رابعاً: الأحكام المشتركة
تتمتع الأحكام المشتركة في قانون الضمان الإجتماعي بمكانة محورية، بإعتبارها تضع القواعد العامة في كيفية الحصول علي الدعم، والرسم المستحق لذلك، وأولوية الأشخاص المستحقة للدعم، كما أنها تضع المبادئ العامة التي تسري علي جميع الفئات، وتكمن أهميتها في كونها تؤسس للحقوق والإلتزمات المشتركة بين الاشخاص، والجهة القائمة علي إدارة النظام، بما يضمن وحدة التطبيق، وتناسق الأحكام، ومن ثم فإلقاء الضوء نحو دراسة تلك الأحكام يعد مدخلاً لفهم طبيعة الضمان الإجتماعي، وفيما يلي أبرز الأحكام المشتركة الواردة بقانون الضمان الإجتماعي، رقم 12 لسنة 2025.
أ- يتم تقديم طلب الحصول على الدعم النقدي، وسداد الرسم المقرر بقيمة عشرة جنيهات، ويجوز زيادة المبلغ سنوياً بنسبة لاتزيد على 10% ، وبما لا يجاوز عشرة أمثال من قيمة الرسم المشار اليه.
ب- يجوز الجمع بين كل من الدعم النقدى المشروط (تكافل)، والدعم النقدى غير المشروط ( كرامة) ، إذا توافرت الشروط المقررة قانوناً، وفقاً للإجراءات التي سترد في اللائحة التنفيذية للقانون.
ج- تكون أولوية الحصول على الدعم النقدي المشروط، والغير مشروط للفئات الاتية بالترتيب المذكور ( ذوي الإعاقة من المستوي الثالث - المريض بمرض مزمن - المسن – اليتيم – المرأة المعيلة – ذوي الإعاقة من المستوي الثاني – المرأة غير المعيلة – الأنثي غير المتزوجة – الأسرة المعالة – أسرة نزيل مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي – الأسرة مهجورة العائل – أسرة المجند – أولاد الرعاية اللاحقة – الأسر الفقيرة الأخري – ذوي الإعاقة من المستوي الاول – قدامي الفنانين ) وتكون الأولوية بالترتيب المذكور، وذلك عند تقدم أعداد كبيرة للحصول على الدعم النقدي المشروط، والغير مشروط .
د- يُحدد الدعم النقدى الشهرى، والحدان الأدنى والأقصى له، بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء، بناءً على عرض الوزير المختص ووزير المالية، وتتم مراجعة قيمة الدعم النقدى الشهرى كل ثلاث سنوات .
ه- يُصرف الدعم النقدى عن طريق البطاقة الذكية للدعم النقدى، ويتحمل المستفيد نسبة (١٪) من قيمة الدعم النقدى مقابل خدمة ميكنة المنظومة، وتحديثها، والتحقق منها دورياً، وفى حالة فقد البطاقة أو تلفها، يتحمل المستفيد تكلفة استخراج بطاقة جديدة، ويتم خصمها من قيمة الدعم، ويجوز الاستثناء من الصرف عن طريق البطاقة الذكية فى الحالات التى يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص.
و- إذا تخلف الفرد المستفيد، أو الأسرة المستفيدة عن صرف الدعم النقدى المستحق لمدة شهرين متتاليين ، تعيّن على الإدارة المختصة، إخطار الوحدة المختصة التابع لها محل إقامة الحالة خلال خمسة عشر يومًا، لدراسة الحالة ميدانيًا، والوقوف على أسباب عدم الصرف، على أن تقوم الوحدة المختصة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إخطارها بعرض الأمر على لجنة الدعم النقدى بالإدارة المختصة للنظر فى إيقاف صرف الدعم من عدمه .
ز - لا يجوز التنازل عن الدعم النقدى للغير، أو الحجز عليه تحت أي مسمى .
ع - يقدم المستفيد بيان تحديث لبيانته قبل نهاية فبراير من كل عام، وإلا يوقف الدعم مؤقتًا، أو دائماً عند التخلف .
غ- إذا لم يصرف المستفيد ما له من دعم خلال 6 أشهر من تاريخ استحقاقه، يسقط حقه في الصرف، مالم يقدم عذر مقبول .
خامساً: آليات الحوكمة والرقابة
تعد آليات الحوكمة والرقابة من الركائز الأساسية لضمان فاعلية واستدامة أي نظام قانوني، إذ تهدف إلي تحقيق الشفافية والإنضباط المؤسسى، وحماية الموارد العامة من سوء الإستخدام، أو الإنحراف عن اهدافها، وتمثل هذه الآليات الضمانة الحقيقية لتطبيق القانون بعدالة وكفاءة،حيث تحدد الأدوار والمسئوليات، وتضع معايير المتابعة، والتقييم، بما يعزز من ثقة الأفراد في المؤسسات، ويضمن التوازن بين الصلاحيات، والمسئوليات، ومن هذا المنطلق نشير إلي ابرز آليات الحوكمة والرقابة التي نص عليها قانون الضمان الإجتماعي رقم 12 لسنة 2025.
تقوم الإدارة المختصة، بسحب عينة عشوائية لا تقل عن 30% من الحالات المستفيدة، في أشهر ( مارس-أبريل-مايو) سنوياً، للتأكد من استمرار توافر الشروط في المستفدين .
تلتزم الإدارة المختصة بإجراء المتابعة الميدانية، من خلال إجراء توكيد جودة بسحب عينة عشوائية، بنسبة لا تقل عن (١٠٪) من الحالات المستفيدة من الدعم النقدى، من كل وحدة مختصة تابعة لها مرة واحدة على الأقل خلال العام المالى، لتقدير كفاءة الوحدات المختصة فى متابعة استحقاق الحالات المستفيدة، ومدى توافر شروط الاستحقاق، لاستمرار صرف المساعدة، أو تعديلها، أو إيقافها، بما يتناسب مع حالة المستفيد
تقوم المديرية المختصة بسحب عينة لا تقل عن 10% مرة على الأقل خلال السنة المالية من كل وحدة لمراجعة كفاءة التتبع، والمتابعة.
تلتزم المديرية المختصة بإجراء تحقق على إجمالي سنوي 2% من إجمالي المستفيدين على مستوى المحافظة لتقييم النزاهة والشفافية .
تنشأ بالوزارة المختصة إدارة تختص بإجراء التحقق على إجمالي نسبة (0.5٪) من الحالات المستفيدة من الدعم النقدى على مستوى الجمهورية .
وفي حالة أن أسفرت عمليات المتابعة والتحقق عن وجود مخالفات، تتخذ الإجراءات التأديبية ضد الموظف المتسبب فيها، مع إخطار الوزارة المعنية والمحافظة المختصة، بحسب الأحوال، بالإجراءات التى تم اتخاذها في هذا الشأن.
تشكل لجان الدعم النقدى على مستوى الوزارة والمديريات والإدارات المختصة، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون كيفية تشكيل هذه اللجان، ونظام العمل بها واختصاصاتها الأخرى .
ز. تشكل لجان للتظلمات على مستوى الوزارة والمديرية والإدارة المختصة، لفحص ودراسة التظلمات والشكاوى ومتابعة معالجتها والبت فيها .
سادسا: حالات إيقاف الدعم النقدي
وضع المشرع بعض الحالات التي إذا ما توافرت يترتب عليها إيقاف الدعم النقدي، إما بصفة مؤقتة، أو دائمة، وتأتي هذه الحالات كآلية لضبط المنظومة، وحمايتها من إساءة الإستخدام، أو التوسع غير المبرر في الإستفادة، بما يحقق العدالة في التوزيع، والمحافظة علي كفاءة موارد الدولة، وتأتي أبر زحالات إيقاف الدعم النقدي التي نص عليها القانون وفقاً لما يلي:
حدوث تغير في مستوى معيشة الأفراد المستفيدين، أو الأسر المستفيدة، بما يُخرج أياً منهما عن حدود المعادلة الاختبارية للاستحقاق .
إذا دلس أو زور، فى البيانات التي أدلى بها عند تسجيل الحالة للتقدم للحصول على الدعم النقدى.
ج- إذا صدر حكم بات ضد الأفراد المستفيدين، أو أرباب الأسر المستفيدة، بحسب الأحوال، بالإدانة في الجرائم الآتية ( التسول - الاتجار بالبشر - تعريض الطفل للخطر - ختان الإناث - الزواج المبكر - التحرش - التعدى على الأراضى الزراعية - الجرائم الأخرى المخلة بالشرف والاعتبار).
د- رفض الأفراد المستفيدين، أو أرباب الأسر المستفيدة من الدعم النقدى القادرين على العمل فرص التوظيف، أو كسب العيش التي توفرها لهم الجهة الإدارية، بالتنسيق مع الوزارة المختصة بالعمل، ثلاث مرات دون عذر مقبول .
سابعاً : رد المبالغ التي صرفت بدون وجه حق، ومدة تقادم الحق
يجوز للوزير المختص أو من يفوضه، بناءً على عرض المديرية المختصة، إعفاء من قام بصرف الدعم النقدى دون وجه حق، من رد المبالغ التى صرفها، بشرط ثبوت إعساره بالبحث الاجتماعى الميدانى، وفى جميع الأحوال لا يجوز إعفاء من يثبت أن له دخلاً يزيد على أربعة أمثال قيمة المساعدة التى كان يحصل عليها .
كما يجوز، بناءً على بحث اجتماعى ميدانى، تقسيط هذه المبالغ على أقساط شهرية لمدة لا تجاوز أربعة وعشرين شهرًا، وعلى الوزارة، والمديرية المختصة إبلاغ سلطات التحقيق المختصة لإعمال شئونها، حال عدم السداد أو التوقف عن سداد الأقساط .
ويسقط الحق فى المطالبة باسترداد هذه المبالغ بالتقادم الخمسى من تاريخ الواقعة أو الوفاة .
ثامناً: المساعدات الإستثنائية
تصرف مساعدات نقدية استثنائية دفعة واحدة أو على دفعات محددة المدة للأفراد الفقراء والأسر الفقيرة في الحالات الآتية:
( مصروفات الجنازة - مصروفات الزواج لمرة واحدة فقط - مصروفات الولادة لأول مرة فقط - تكلفة العلاج فى حالات المرض الطارئة ، وذلك لغير المشمولين بالتأمين الصحى - المصروفات الدراسية - الأجهزة التعويضية أو الأدوات المساعدة للأشخاص ذوى الإعاقة - الحالات الطارئة الملحة التى تواجه الأفراد والأسر الفقيرة ، ويتم الموافقة عليها من لجنة مساعدات الدعم النقدى على مستوى الإدارة المختصة بناءً على بحث اجتماعي ميداني ، يتم من خلال الوحدة المختصة .
ويصدر بتحديد ضوابط وقيمة الحدين الأدنى والأقصى لتلك المساعدات، وشروط وأوضاع وإجراءات صرفها قرار من الوزير المختص .
تاسعاً: صندوق تكافل وكرامة
يعد برنامج تكافل وكرامة من أبرز برامج الحماية التي أطلقتها الدولة، بهدف دعم الفئات الأولي بالرعاية، حيث يمثل منظومة للدعم النقدي سواء المشروط، أو الغير مشروط، تستهدف الأسرة الفقيرة، وكبار السن، وذوي الإعاقة، وغيرهم من اصحاب الدخول المنخفضة، لذا تم تقنين هذا البرنامج في قانون الضمان الإجتماعي رقم 12 لسنة 2025 من خلال إنشاء صندوق تكافل وكرامة يهدف إلي تمويل برامج الضمان الاجتماعى، ويكون حساب الصندوق بالبنك المركزى المصرى ضمن حساب الخزانة العامة الموحد، وتُودع فيه موارده المدرجة بالموازنة العامة للدولة، كما يكون له حساب أو أكثر في بنك ناصر الاجتماعى أو أى من البنوك المسجلة لدى البنك المركزى المصرى، ويُرحل الفائض من أموال الصندوق من سنة مالية إلى أخرى، وذلك عدا ما يخصص له من الموازنة العامة للدولة، ويخضع لمراجعة وزارة المالية، ورقابة الجهاز المركزى للمحاسبات .
عاشراً: العقوبات
يعد قانون الضمان الإجتماعي رقم 12 لسنة 2025، محطة تشريعية مهمة في مجال الحماية الإجتماعية، إذ لم يقتصر على إعادة تنظيم أحكام الضمان الاجتماعي، بل جاء أكثر صرامة في ما يتعلق بالعقوبات مقارنة بقانون الضمان الإجتماعي الملغي، وحيث حرص علي تشديد العقوبات للحد من المخالفات، والتلاعب الذي كان يضعف من فاعلية قانون الضمان الإجتماعي الملغي، وليضمن إلتزام الأطراف المختلفة بأحكام القانون، ويعكس هذا التشديد توجهاً نحو تعزيز الرقابة، وحماية أموال الصناديق التأمينية، وتحقيق العدالة بين المستحقين، بما يسهم في إستقرار النظام، وضمان إستمراريته، كأداة رئيسة للأمان الإجتماعي، وتأتي أبرز العقوبات في القانون علي النحو التالي:
يُعاقب من تصرف له مساعدات بدون وجه حق بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفى جنيه، ولا تزيد على ستة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكان ذلك نتيجة إثبات أو إعطاء بيانات غير صحيحة فى طلب الخدمة أو الامتناع عن إعطاء بيانات مما يجب الإفصاح عنها، وفقاً لأحكام هذا القانون مع علمه بذلك، ورفض رد ما صُرف له دون وجه حق بعد إنذاره من قبل المديرية المختصة بموجب خطاب مسجل بعلم الوصول محدد به المبالغ المستحقة عليه ، وذلك خلال ستين يوماً من تاريخ الإنذار، وتقضى المحكة ، فضلاً عن العقوبة المحكوم بها، برد المبالغ التي تم التحصل عليها دون وجه حق، وتنقضى الدعوى العمومية بالتصالح إذا قام المتهم برد المبالغ المنصرفة إليه دون وجه حق وتعويض يعادل نصف المبالغ المشار إليها .
تعقيب
يُعَدّ قانون الضمان الاجتماعي رقم 12 لسنة 2025 محطة محورية في مسيرة الدولة نحو ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية، وتعزيز حماية الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، فهو يعكس رؤية استراتيجية تتجاوز فكرة المساعدات المباشرة إلى بناء نظام شامل للحماية يراعي كرامة الإنسان، ويؤمّن له الحد الأدنى من العيش الكريم. كما يُعد القانون جزء من التوجه الأشمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال تمكين الفقراء، والحد من الفجوة الاجتماعية، ودعم الاستقرار الأسري والمجتمعي.
وعند التعمق في دارسة بنود أحكام القانون، يتبين أن المشرع قد سعي إلى تحقيق توازن دقيق بين إعتبارات العدالة الإجتماعية، ومتطلبات الإستدامة المالية للنظام، فقد حرص المشرع علي مد مظلة الحماية لتشمل فئات واسعة من المجتمع، مع تحديد التزامات واضحة لكل الاطراف المعنية، بما يضمن شمولية التغطية وتحقيق مبدأ المساواة، وفي الوقت نفسه شدد القانون علي العقوبات المقررة في مواجهة المخالفات، مما يعكس إدراكاً تشريعياً لحجم التحديات التي واجهت النظم السابقة من تلاعب، أو تهرب، او إساءة إستخدام لموارد الصناديق.
غير أنّ القيمة الحقيقية للقانون لا تكمن في نصوصه فقط، بل في آليات تنفيذه على أرض الواقع، ومدى قدرته على الوصول إلى المستحقين بعدالة وشفافية، مع ضمان استدامة التمويل وتكامل الأدوار بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني. إذ أن نجاح القانون يعني توفير مظلة أمان اجتماعي تُسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية معًا، وتمنح الفئات الضعيفة فرصة أفضل للاندماج والإنتاج.
كما تمتد نصوص القانون إلي وضع مبادئ للحوكمة، والشفافية في إدارة منظومة الضمان الإجتماعي، فالرقابة التي نص عليها القانون سواء كانت داخليه من خلال الأجهزة الإدارية، او خارجية عبر الجهات الرقابية، والقضائية، تمثل الضمانة الحقيقية للحفاظ علي حقوق الأفراد، وضمان وصول المساعدات إلي مستحقيها، دون تمييز أو تحيز.
كما ان قانون الضمان الإجتماعي رقم 12 لسنة 2025، وضع المجتمع أمام مسئولية مشتركة، إذ لا تتحقق أهدافه الا بتعاون كافة أطراف الدولة من خلال توفير البنية التشريعية، والتمويلية، ومن ثم فإن فاعلية القانون تقاس بمدي تطبيقه العملي، وقدرته علي الإستجابة للمتغيرات الإقتصادية، والإجتماعية، بما يعزز ثقة المواطنين في النظام كأداة للأمان الإجتماعي.
وبذلك يمكن القول إن هذا القانون ليس مجرد إجراء تشريعي، بل خطوة عملية لبناء مجتمع أكثر تكافلًا وعدلًا، ومسارًا طويل المدى، نحو ترسيخ قيم الاستدامة والمسؤولية المشتركة بين الدولة والمجتمع، بما يحقق مصلحة الحاضر ويحفظ حقوق الأجيال القادمة.